بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : " اسم " [ في التسمية ] صلة زائدة ، زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرّك ، لأن أصل الكلام " بالله " وحذفت الألف من " بسم " من الخط تخفيفاً لكثرة الاستعمال واستغناء عنها بباء الالصاق في اللفظ والخط فلو كتبت " باسم الرحمن " أو " باسم القادر " أو " باسم القاهر " لم تحذف الألف .
والألف في " اسم " ألف وصل ، لأنك تقول : " سُمْيّ " وحذفت لأنها ليست من اللفظ .
( اب ) اسمٌ ، لأنك تقول إذا صغّرته : " سُمَيّ " ، فتذهب الألف . وقوله : { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } ، وقوله : { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } فهذا موصول لأنك تقول : " مُرَيَّة " و " ثُنَيَّا عشر " . و [ قوله ] : { فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } موصول : لأنك تقول : " ثُنَيَّتا عشرةَ " ، وقال : { إِذْ أرسلنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا } ، وقال : { مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ } ، لأنك تقول في " اثنين " : " ثُنَيِّيّن " وفي " آمرئ " : " مُرَيّءِ " فتسقط الألف . وإنما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها لما أرادوا استئنافه فلم يصلوا إلى الابتداء بساكن ، فأحدثوا هذه الألف ليصلوا إلى الكلام بها . فإذا اتصل [ الكلام ] بشيء قبله استغنى عن هذه الألف . وكذلك كل ألف كانت في أول فعل أو مصدر ، وكان " يَفْعل " من ذلك الفعل ياؤه مفتوحة فتلك ألف وصل نحو قوله : { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } { اهْدِنَا } . لأنك تقول : " يَهْدِي " فالياء مفتوحة . وقوله : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ } و [ قوله ] : { يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً } ، وقوله : { عَذَابٌ ( 41 ) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ } ، وأشباه هذا في القرآن كثيرة . والعلة فيه كالعلّة في " اسم " ، و " اثنين " وما أشبهه ، لأنه لما سكن الحرف الذي في أول الفعل جعلوا فيه هذه الألف ليصلوا إلى الكلام به إذا استأنفوا .
وكل هذه الألفات ( 2ء ) اللواتي في الفعل إذا استأنفتهنّ مكسورات ، فإذا استأنفت قلت { اهْدِنَا الصّرَاطَ } ، { ابْنِ لِي } ، { اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ } ، إلا ما كان منه ثالث حروفه مضموما فانك تضم أوله إذا استأنفت ، تقول : { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ } ، وتقول { اذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً } . وإنما ضمت هذه الألف إذا كان الحرف الثالث مضموماً لأنهم لم يروا بين الحرفين إلا حرفاً ساكنا ، فثقل عليهم أن يكونوا في كسر ثم يصيروا إلى الضم . فأرادوا أن يكونا جميعاً مضمومين إذا كان ذلك لا يغير المعنى .
وقالوا في بعض الكلام في " المُنْتِن " : مِنْتِن " . وإنما هي من " " أنتن " فهو " مُنْتِن " ، مثل " أكرم " فهو " مُكْرِم " . فكسروا الميم لكسرة التاء . وقد ضم بعضهم التاء فقال " مُنْتُن " لضمة الميم . وقد قالوا في " النَقِد " : " النِقِد " فكسروا النون لكسرة القاف . وهذا ليس من كلامهم إلا فيما كان ثانيه احد الحروف الستة نحو " شعير " . والحروف الستة : الخاء والحاء والعين والغين والهمزة والهاء .
وما كان على " فُعِلَ " مما في أوله هذه الألف الزائدة فاستئنافه أيضا مضموم نحو : { اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ } لان أول " فُعِلَ " أبدا مضموم ، [ 2ب ] والثالث من حروفها أيضا مضموم .
وما كان على " أَفعَلُ أنا " فهو مقطوع الألف وإن كان من الوصل ، لأن " أَفْعَلُ " فيها ألف سوى ألف الوصل ، وهي نظيرة الياء في " يَفْعَل " . وفي كتاب الله عز وجل { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، و { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ }و { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } .
وما كان من نحو الألفات اللواتي ليس معهن اللام في أول اسم ، وكانت لا تسقط في التصغير فهي مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال نحو قوله : { هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ } ، وقوله { يَا أَبَانَا } ، وقوله ، { إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ } ، و { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا } { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ } ، لأنها إذا صغرت ثبتت الألف فيها ، تقول في تصغير " إحدى " : " أُحَيْدى " ، و " أحَد " : " أُحَيْد " ، و " أَبانا " : " أُبَيُّنا " و كذلك " أُبَيّانِ " و " أُبَيُّونَ " . وكذلك [ الألف في قوله ] { مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ }و { أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا } ، لأنك تقول في " الأنصار " : " أُنَيْصار " ، وفي " الأنباءِ " : " أُبَيْناء " و " أُبَيْنُون " .
وما كان من الألفات في أول فعل أو مصدر ، وكان " يَفْعل " من ذلك الفعل ياؤه مضمومة ، فتلك الألف مقطوعة . تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال ، نحو قوله { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } ، لأنك تقول : " يُنْزَل " . فالياء مضمومة . و { رَبَّنَا آتِنَا } تقطع لان الياء مضمومة ، لأنك تقول : " يُؤْتِى " . وقال { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }و { وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } لأنك تقول : " يُؤتِي " ، و " يُحْسِن " [ 3ء ] . وقوله : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } ، و { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } فهذه موصولة لأنك تقول : " يَأتي " ، فالياء مفتوحة . وإنما الهمزة التي في قوله : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ } همزة كانت من الأصل في موضع الفاء من الفعل ، ألا ترى أنها ثابتة في " أتيت " وفي " أتى " لا تسقط . وسنفسر لك الهمز في موضعه إن شاء الله . وقوله : { آتِنَا } يكون من " آتى " و " آتاه الله " ، كما تقول : " ذهب " و " أذهبه الله " ويكون على " أَعطنا " . قال { فَآتِهِمْ عَذَاباً } على " فَعَل " و " أَفْعَلَهُ غيرُه " .
وأما قوله : { الرحمن الرَّحِيمِ ( 1 ) الْحَمْدُ } ( 2 ) فوصلت هذه الأسماء التي في أوائلها الألف واللام حتى ذهبت الألف في اللفظ . وذلك لان كل اسم في أوله ألف ولام زائدتان فالألف تذهب إذا اتصلت بكلام قبلها . وإذا استأنفتها كانت مفتوحة أبدا لتفرق بينها وبين الألف التي تزاد مع غير اللام ، ولان هذه الألف واللام هما جميعاً حرف واحد ك " قد " و " بل " . وإنما تعرف زيادتهما بأن تروم ألفا ولاما أخريين تدخلهما عليهما ، فان لم تصل الى ذلك عرفت انهما [ 3ب ] زائدتان ألا ترى أن قولك " الحمدُ للّهِ " وقولك : " العالمين " وقولك " التي " و " الذي " " و الله " لا تستطيع أن تدخل عليهن ألفا ولاما أخريين ؟ فهذا يدل على زيادتهما ، فكلما اتصلتا بما قبلهما ذهبت الألف . إلا أن توصل بألف الاستفهام فتترك مخففة ، [ و ] لا يخفف فيها الهمزة الأناس من العرب قليل ، وهو قوله { آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } وقوله { آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } وقوله { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } . وإنما مدت في الاستفهام ليفرق بين الاستفهام والخبر . ألا ترى انك لو قلت وأنت تستفهم : " الرجل قال كذا وكذا " فلم تمددها صارت مثل قولك " الرجل قال كذا وكذا " إذا أخبرت .
وليس سائر ألفات الوصل هكذا . قال{ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ } ، وقال { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ } . فهذه الألفات مفتوحة مقطوعة ، لأنها ألف استفهام ، وألف الوصل التي كانت في " اصطفى " [ و " افترى " ] قد ذهبت ، حيث اتصلت الصاد [ والفاء ] بهذه الألف التي قبلها للاستفهام . وقال من قرأ هذه الآية { كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ } { أَتَّخَذْنَاهُمْ } فقطع ألف " أَتخذناهم " فإنما جعلها ألف استفهام وأذهب ألف الوصل التي كانت بعدها ، لأنها إذا اتصلت بحرف قبلها ذهبت . وقد قرئ هذا الحرف موصولا ، وذلك إنهم حملوا قوله { أَمْ زَاغَتْ [ 4ء ] عَنْهُمُ الأَبْصَار }على قوله { مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ } { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَار } .
وما كان من اسم في أوله ألف ولام تقدر أن تدخل عليهما ألفا ولاما أخريين ، فالألف من ذلك مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال ، نحو قوله { مَا لَكُمْ مِّنْ اله غَيْرُهُ } لأنك لو قلت " الإِله " فأدخلت عليها ألفا ولاما جاز ذلك . وكذلك " أَلواح " و إلهام " و " إلقاء " مقطوع كله ، لأنه يجوز إدخال ألف ولام أخريين . فأما " إلى " فمقطوعة ولا يجوز إدخال الألف واللام عليها لأنها ليست باسم ، وإنما تدخل الألف واللام على الاسم . ويدلك على أن الألف واللام في " إلى " ليستا بزائدتين انك إنما وجدت الألف واللام تزادان في الأسماء ، ولا تزادان في غير الأسماء ، مثل " إلى " و " أَلاَّ " . ومع ذلك تكون ألف " إلى " مكسورة وألف اللام الزائدة لا تكون مكسورة .
وأما قوله { الْحَمْدُ للَّهِ } [ 2 ] فرفعه على الابتداء . وذلك أن كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع ، وخبره إن كان هو هو فهو أيضا مرفوع ، نحو قوله { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ } وما أشبه ذلك . وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها . فإنما رفع [ 4ب ] المبتدأ ابتداؤك إياه ، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم [ و ] كما كانت " أنَّ " تنصب الاسم وترفع الخبر فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر . وقال بعضهم : " رفع المبتدأ خبره " وكل حسن ، والأول أقيس .
وبعض العرب يقول { الْحَمْدَ للَّهِ } فينصب على المصدر ، وذلك أن أصل الكلام عنده على قوله " حَمْداً لله " يجعله بدلا من اللفظ بالفعل ، كأنه جعله مكان " أَحْمَدُ " ونصبه على " أَحْمَدُ " حتى كأنه قال : " أَحْمَدُ حَمْداً " ثم ادخل الألف واللام على هذه .
وقد قال بعض العرب { الْحَمْدِ للَّهِ } فكسره ، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة ، وذلك أن الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرّك أواخرها حركة واحدة لا تزول علتها نحو " حَيْثُ " جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال ، وبعضهم يقول " حَوْثُ " و " حَيْثَ " ضم وفتح . ونحو " قَبْلُ " و " بَعْدُ " جعلتا مضمومتين على كل حال . وقال الله تبارك وتعالى { لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } فهما مضموتان إلا أن تضيفهما ، فإذا أضفتهما صرفتهما . قال { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ } و { كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } و { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ } وقال { من قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } وذلك أن قوله { أَن نَّبْرَأَهَا } اسم أضاف إليه { قَبْل } [ 5ء ] وقال { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ } . وذلك أن قوله { أَن نَّزغَ } اسم هو بمنزلة " النَزْغ " ، لأن " أنْ " الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم ، فأضاف إليها " بَعْد " . وهذا في القرآن كثير .
ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال الله عز وجل { إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي } و { هَا أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ } مكسورة على كل حال . فشبهوا " الحمدَ " وهو اسم متمكن في هذه اللغة بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة ، كما قالوا " يا زيدُ " . وفي كتاب الله { يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً } هو في موضع النصب ، لان الدعاء كلّه في موضع نصب ، ولكن شبه بالأسماء التي ليست بمتمكنة فترك على لفظ واحد ، يقولون : " ذهب أَمسِ بما فيه " و " لَقِيتهُ أمسِ يا فتى " ، فيكسرونه في كل موضع في بعض اللغات . وقد قال بعضهم : " لَقِيتهُ الأمسِّ الأحدث " فجرّ أيضاً وفيه ألف ولام ، وذلك لا يكاد يعرف .
وسمعنا من العرب من يقول : { أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتِ وَالْعُزى } ، ويقول : " هي اللاتِ قالت ذاك " فجعلها تاء في السكوت ، و " هي اللاتِ فاعلم " جرّ في موضع الرفع والنصب . وقال بعضهم " من الآنَ إلى غد " فنصب لأنه اسم غير متمكن . وأما قوله : " اللاتِ فاعلم " [ 5ب ] فهذه مثل " أمسِ " وأجود ، لان الألف واللام التي في " اللات " لا تسقطان وان كانتا زائدتين . وأما ما سمعنا في " اللات والعزى " في السكت عليها ف " اللاه " لأنها هاء فصارت تاءً في الوصل وهي في تلك اللغة مثل " كان من الأمر كيتِ وكيتِ " . وكذلك " ههياتِ " في لغة من كسر . إلا انه يجوز في " هيهات " أن تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث ، ولا يجوز ذلك في " اللاتِ " ، لان " اللات " و " كيت " لا يكون مثلهما جماعة ، لان التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف فان جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد .
وزعموا أن من العرب من يقطع ألف الوصل . أخبرني من أثق به أنه سمع من يقول : " يا ابني " فقطع . وقال قَيْس بن الخطيم [ من الطويل وهو الشاهد الأول ] .
إذا جاوز الاثنين سرٌّ فإنّه *** بنشرٍ وتكثيرِ الوشاة قمين
وقال جميل : [ من الطويل وهو الشاهد الثاني ] :
ألا لا أرى اثنين أكرمَ شيمةً *** على حدثانِ الدهر مني ومن جُمْلِ
وقال الراجز : [ وهو الشاهد الثالث ] .
يا نفسُ صبراً كلُّ حي لاق *** وكلُّ اثنين إلى افتراق
[ 6ء ] وهذا لا يكاد يعرف .
وأما قوله : { مالك يوم الدين } ( 4 ) فإنه يجر لأنه من صفة " الله " عز وجل .
وقوله : { لِلَّهِ } ( 2 ) جر باللام كما أنجر قوله : { رَبِّ الْعَالَمِينَ الرحمن الرَّحِيمِ } لأنه من صفة قوله { للَّهِ } . فان قيل : " وكيف يكون جرّا وقد قال : { إِيّاك نَعْبُدُ [ 5 ] } .
وأما فتح نون { الْعَالَمِينَ } ( 2 ) فإنها نون جماعة ، وكذلك كل نون جماعة [ زائدة ] على حدّ التثنية فهي مفتوحة . وهي النون الزائدة التي لا تغيّر الاسم عما كان عليه : نحو نون " مسلمين " و " صالحين " و " مؤمنين " فهذه النون زائدة لأنك تقول : " مسلم " و " صالح " فتذهب النون [ 6ب ] ، وكذلك " مؤمن " قد ذهبت النون الآخرة ، وهي المفتوحة ، وكذلك " بنون " . ألا ترى [ انك ] إنما زدت على " مؤمن " واوا ونونا ، وياء ونونا ، وهو على حاله لم يتغير لفظه ، كما لم يتغير في التثنية حين قلت " مؤمنان " و " مؤمنين " . إلا انك زدت ألفا ونونا ، أو ياء ونونا للتثنية . وإنما صارت هذه مفتوحة ليفرق بينهما وبين نون الاثنين . وذلك أن نون الاثنين مكسورة أبدا . قال : { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ } وقال { أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا } والنون مكسورة .
وجعلت الياء للنصب والجرّ نحو " العالمينَ " و " المتقينَ " ، فنصبهما وجرهما سواء ، كما جعلت نصب " الاثنينِ " وجرهما سواء ، ولكن كسر ما قبل ياء الجميع وفتح ما قبل ياء الاثنين ليفرق ما بين الاثنين والجميع ، وجعل الرفع بالواو ليكون علامة للرفع ، وجعل رفع الاثنين بالألف .
وهذه النون تسقط في الإضافة كما تسقط نون الاثنين ، نحو قولك : " بنوك " " ورأيت مسلميك " فليست هذه النون كنون " الشياطين " و " الدهاقين " و " المساكين " . لان " الشياطين " و " الدهاقين " و " المساكين " نونها من الأصل [ 7 ء ] ألا ترى انك تقول : [ شيطان ] و " شُييطين " و " دِهقان " " دُهَيْقين " و " مِسْكين " و " مُسَيْكين " فلا تسقط النون .
فأما " الذينَ " فنونها مفتوحة ، لأنك تقول : " الذي " فتسقط النون لأنها زائدة ، ولأنك تقول في رفعها : " اللذون " لان هذا اسم ليس بمتمكن مثل " الذي " . ألا ترى أن " الذي " على حال واحدة .
إلا أن ناسا من العرب يقولون : " هم اللذون يقولون كذا وكذا " . جعلوا له في الجمع علامة للرفع ، لان الجمع لا بد له من علامة ، واو في الرفع ، وياء في النصب والجرّ وهي ساكنة . فأذهبت الياء الساكنة التي كانت في " الذي " لأنه لا يجتمع ساكنان ، كذهاب ياء " الذي " إذا أدخلت الياء التي للنصب ، ولأنهما علامتان للإعراب . والياء في قول من قال " هم الذين " مثل حرف مفتوح أو مكسور بني عليه الاسم وليس فيه إعراب . ولكن يدلك على انه المفتوح أو المكسور في الرفع والنصب والجر الياء التي للنصب والجرّ لأنها علامة للإعراب .
وقد قال ناس من العرب " الشياطون " لأنهم شبّهوا هذه الياء التي كانت في " شياطين " إذا كانت بعدها نون ، وكانت في جميعٍ وقبلها كسرة ، بياء الإعراب التي في الجمع . فلما صاروا إلى الرفع ادخلوا الواو . وهذا يشبه " هذا جُحرُ ضبٍّ خَرِبٍ " [ 7ب ] فافهم .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : " اسم " [ في التسمية ] صلة زائدة ، زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرّك ، لأن أصل الكلام " بالله " وحذفت الألف من " بسم " من الخط تخفيفاً لكثرة الاستعمال واستغناء عنها بباء الالصاق في اللفظ والخط فلو كتبت " باسم الرحمن " أو " باسم القادر " أو " باسم القاهر " لم تحذف الألف .
والألف في " اسم " ألف وصل ، لأنك تقول : " سُمْيّ " وحذفت لأنها ليست من اللفظ .
( اب ) اسمٌ ، لأنك تقول إذا صغّرته : " سُمَيّ " ، فتذهب الألف . وقوله : { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ } ، وقوله : { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } فهذا موصول لأنك تقول : " مُرَيَّة " و " ثُنَيَّا عشر " . و [ قوله ] : { فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } موصول : لأنك تقول : " ثُنَيَّتا عشرةَ " ، وقال : { إِذْ أرسلنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا } ، وقال : { مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ } ، لأنك تقول في " اثنين " : " ثُنَيِّيّن " وفي " آمرئ " : " مُرَيّءِ " فتسقط الألف . وإنما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها لما أرادوا استئنافه فلم يصلوا إلى الابتداء بساكن ، فأحدثوا هذه الألف ليصلوا إلى الكلام بها . فإذا اتصل [ الكلام ] بشيء قبله استغنى عن هذه الألف . وكذلك كل ألف كانت في أول فعل أو مصدر ، وكان " يَفْعل " من ذلك الفعل ياؤه مفتوحة فتلك ألف وصل نحو قوله : { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } { اهْدِنَا } . لأنك تقول : " يَهْدِي " فالياء مفتوحة . وقوله : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ } و [ قوله ] : { يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً } ، وقوله : { عَذَابٌ ( 41 ) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ } ، وأشباه هذا في القرآن كثيرة . والعلة فيه كالعلّة في " اسم " ، و " اثنين " وما أشبهه ، لأنه لما سكن الحرف الذي في أول الفعل جعلوا فيه هذه الألف ليصلوا إلى الكلام به إذا استأنفوا .
وكل هذه الألفات ( 2ء ) اللواتي في الفعل إذا استأنفتهنّ مكسورات ، فإذا استأنفت قلت { اهْدِنَا الصّرَاطَ } ، { ابْنِ لِي } ، { اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ } ، إلا ما كان منه ثالث حروفه مضموما فانك تضم أوله إذا استأنفت ، تقول : { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ } ، وتقول { اذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً } . وإنما ضمت هذه الألف إذا كان الحرف الثالث مضموماً لأنهم لم يروا بين الحرفين إلا حرفاً ساكنا ، فثقل عليهم أن يكونوا في كسر ثم يصيروا إلى الضم . فأرادوا أن يكونا جميعاً مضمومين إذا كان ذلك لا يغير المعنى .
وقالوا في بعض الكلام في " المُنْتِن " : مِنْتِن " . وإنما هي من " " أنتن " فهو " مُنْتِن " ، مثل " أكرم " فهو " مُكْرِم " . فكسروا الميم لكسرة التاء . وقد ضم بعضهم التاء فقال " مُنْتُن " لضمة الميم . وقد قالوا في " النَقِد " : " النِقِد " فكسروا النون لكسرة القاف . وهذا ليس من كلامهم إلا فيما كان ثانيه احد الحروف الستة نحو " شعير " . والحروف الستة : الخاء والحاء والعين والغين والهمزة والهاء .
وما كان على " فُعِلَ " مما في أوله هذه الألف الزائدة فاستئنافه أيضا مضموم نحو : { اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ } لان أول " فُعِلَ " أبدا مضموم ، [ 2ب ] والثالث من حروفها أيضا مضموم .
وما كان على " أَفعَلُ أنا " فهو مقطوع الألف وإن كان من الوصل ، لأن " أَفْعَلُ " فيها ألف سوى ألف الوصل ، وهي نظيرة الياء في " يَفْعَل " . وفي كتاب الله عز وجل { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، و { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ }و { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } .
وما كان من نحو الألفات اللواتي ليس معهن اللام في أول اسم ، وكانت لا تسقط في التصغير فهي مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال نحو قوله : { هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ } ، وقوله { يَا أَبَانَا } ، وقوله ، { إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ } ، و { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا } { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ } ، لأنها إذا صغرت ثبتت الألف فيها ، تقول في تصغير " إحدى " : " أُحَيْدى " ، و " أحَد " : " أُحَيْد " ، و " أَبانا " : " أُبَيُّنا " و كذلك " أُبَيّانِ " و " أُبَيُّونَ " . وكذلك [ الألف في قوله ] { مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ }و { أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا } ، لأنك تقول في " الأنصار " : " أُنَيْصار " ، وفي " الأنباءِ " : " أُبَيْناء " و " أُبَيْنُون " .
وما كان من الألفات في أول فعل أو مصدر ، وكان " يَفْعل " من ذلك الفعل ياؤه مضمومة ، فتلك الألف مقطوعة . تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال ، نحو قوله { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ } ، لأنك تقول : " يُنْزَل " . فالياء مضمومة . و { رَبَّنَا آتِنَا } تقطع لان الياء مضمومة ، لأنك تقول : " يُؤْتِى " . وقال { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }و { وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } لأنك تقول : " يُؤتِي " ، و " يُحْسِن " [ 3ء ] . وقوله : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } ، و { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } فهذه موصولة لأنك تقول : " يَأتي " ، فالياء مفتوحة . وإنما الهمزة التي في قوله : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ } همزة كانت من الأصل في موضع الفاء من الفعل ، ألا ترى أنها ثابتة في " أتيت " وفي " أتى " لا تسقط . وسنفسر لك الهمز في موضعه إن شاء الله . وقوله : { آتِنَا } يكون من " آتى " و " آتاه الله " ، كما تقول : " ذهب " و " أذهبه الله " ويكون على " أَعطنا " . قال { فَآتِهِمْ عَذَاباً } على " فَعَل " و " أَفْعَلَهُ غيرُه " .
وأما قوله : { الرحمن الرَّحِيمِ ( 1 ) الْحَمْدُ } ( 2 ) فوصلت هذه الأسماء التي في أوائلها الألف واللام حتى ذهبت الألف في اللفظ . وذلك لان كل اسم في أوله ألف ولام زائدتان فالألف تذهب إذا اتصلت بكلام قبلها . وإذا استأنفتها كانت مفتوحة أبدا لتفرق بينها وبين الألف التي تزاد مع غير اللام ، ولان هذه الألف واللام هما جميعاً حرف واحد ك " قد " و " بل " . وإنما تعرف زيادتهما بأن تروم ألفا ولاما أخريين تدخلهما عليهما ، فان لم تصل الى ذلك عرفت انهما [ 3ب ] زائدتان ألا ترى أن قولك " الحمدُ للّهِ " وقولك : " العالمين " وقولك " التي " و " الذي " " و الله " لا تستطيع أن تدخل عليهن ألفا ولاما أخريين ؟ فهذا يدل على زيادتهما ، فكلما اتصلتا بما قبلهما ذهبت الألف . إلا أن توصل بألف الاستفهام فتترك مخففة ، [ و ] لا يخفف فيها الهمزة الأناس من العرب قليل ، وهو قوله { آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } وقوله { آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } وقوله { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } . وإنما مدت في الاستفهام ليفرق بين الاستفهام والخبر . ألا ترى انك لو قلت وأنت تستفهم : " الرجل قال كذا وكذا " فلم تمددها صارت مثل قولك " الرجل قال كذا وكذا " إذا أخبرت .
وليس سائر ألفات الوصل هكذا . قال{ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ } ، وقال { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ } . فهذه الألفات مفتوحة مقطوعة ، لأنها ألف استفهام ، وألف الوصل التي كانت في " اصطفى " [ و " افترى " ] قد ذهبت ، حيث اتصلت الصاد [ والفاء ] بهذه الألف التي قبلها للاستفهام . وقال من قرأ هذه الآية { كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ } { أَتَّخَذْنَاهُمْ } فقطع ألف " أَتخذناهم " فإنما جعلها ألف استفهام وأذهب ألف الوصل التي كانت بعدها ، لأنها إذا اتصلت بحرف قبلها ذهبت . وقد قرئ هذا الحرف موصولا ، وذلك إنهم حملوا قوله { أَمْ زَاغَتْ [ 4ء ] عَنْهُمُ الأَبْصَار }على قوله { مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ } { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَار } .
وما كان من اسم في أوله ألف ولام تقدر أن تدخل عليهما ألفا ولاما أخريين ، فالألف من ذلك مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال ، نحو قوله { مَا لَكُمْ مِّنْ اله غَيْرُهُ } لأنك لو قلت " الإِله " فأدخلت عليها ألفا ولاما جاز ذلك . وكذلك " أَلواح " و إلهام " و " إلقاء " مقطوع كله ، لأنه يجوز إدخال ألف ولام أخريين . فأما " إلى " فمقطوعة ولا يجوز إدخال الألف واللام عليها لأنها ليست باسم ، وإنما تدخل الألف واللام على الاسم . ويدلك على أن الألف واللام في " إلى " ليستا بزائدتين انك إنما وجدت الألف واللام تزادان في الأسماء ، ولا تزادان في غير الأسماء ، مثل " إلى " و " أَلاَّ " . ومع ذلك تكون ألف " إلى " مكسورة وألف اللام الزائدة لا تكون مكسورة .
وأما قوله { الْحَمْدُ للَّهِ } [ 2 ] فرفعه على الابتداء . وذلك أن كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع ، وخبره إن كان هو هو فهو أيضا مرفوع ، نحو قوله { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ } وما أشبه ذلك . وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها . فإنما رفع [ 4ب ] المبتدأ ابتداؤك إياه ، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم [ و ] كما كانت " أنَّ " تنصب الاسم وترفع الخبر فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر . وقال بعضهم : " رفع المبتدأ خبره " وكل حسن ، والأول أقيس .
وبعض العرب يقول { الْحَمْدَ للَّهِ } فينصب على المصدر ، وذلك أن أصل الكلام عنده على قوله " حَمْداً لله " يجعله بدلا من اللفظ بالفعل ، كأنه جعله مكان " أَحْمَدُ " ونصبه على " أَحْمَدُ " حتى كأنه قال : " أَحْمَدُ حَمْداً " ثم ادخل الألف واللام على هذه .
وقد قال بعض العرب { الْحَمْدِ للَّهِ } فكسره ، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة ، وذلك أن الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرّك أواخرها حركة واحدة لا تزول علتها نحو " حَيْثُ " جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال ، وبعضهم يقول " حَوْثُ " و " حَيْثَ " ضم وفتح . ونحو " قَبْلُ " و " بَعْدُ " جعلتا مضمومتين على كل حال . وقال الله تبارك وتعالى { لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } فهما مضموتان إلا أن تضيفهما ، فإذا أضفتهما صرفتهما . قال { لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ } و { كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } و { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ } وقال { من قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } وذلك أن قوله { أَن نَّبْرَأَهَا } اسم أضاف إليه { قَبْل } [ 5ء ] وقال { مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ } . وذلك أن قوله { أَن نَّزغَ } اسم هو بمنزلة " النَزْغ " ، لأن " أنْ " الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم ، فأضاف إليها " بَعْد " . وهذا في القرآن كثير .
ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال الله عز وجل { إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي } و { هَا أَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ } مكسورة على كل حال . فشبهوا " الحمدَ " وهو اسم متمكن في هذه اللغة بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة ، كما قالوا " يا زيدُ " . وفي كتاب الله { يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً } هو في موضع النصب ، لان الدعاء كلّه في موضع نصب ، ولكن شبه بالأسماء التي ليست بمتمكنة فترك على لفظ واحد ، يقولون : " ذهب أَمسِ بما فيه " و " لَقِيتهُ أمسِ يا فتى " ، فيكسرونه في كل موضع في بعض اللغات . وقد قال بعضهم : " لَقِيتهُ الأمسِّ الأحدث " فجرّ أيضاً وفيه ألف ولام ، وذلك لا يكاد يعرف .
وسمعنا من العرب من يقول : { أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتِ وَالْعُزى } ، ويقول : " هي اللاتِ قالت ذاك " فجعلها تاء في السكوت ، و " هي اللاتِ فاعلم " جرّ في موضع الرفع والنصب . وقال بعضهم " من الآنَ إلى غد " فنصب لأنه اسم غير متمكن . وأما قوله : " اللاتِ فاعلم " [ 5ب ] فهذه مثل " أمسِ " وأجود ، لان الألف واللام التي في " اللات " لا تسقطان وان كانتا زائدتين . وأما ما سمعنا في " اللات والعزى " في السكت عليها ف " اللاه " لأنها هاء فصارت تاءً في الوصل وهي في تلك اللغة مثل " كان من الأمر كيتِ وكيتِ " . وكذلك " ههياتِ " في لغة من كسر . إلا انه يجوز في " هيهات " أن تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث ، ولا يجوز ذلك في " اللاتِ " ، لان " اللات " و " كيت " لا يكون مثلهما جماعة ، لان التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف فان جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد .
وزعموا أن من العرب من يقطع ألف الوصل . أخبرني من أثق به أنه سمع من يقول : " يا ابني " فقطع . وقال قَيْس بن الخطيم [ من الطويل وهو الشاهد الأول ] .
إذا جاوز الاثنين سرٌّ فإنّه *** بنشرٍ وتكثيرِ الوشاة قمين
وقال جميل : [ من الطويل وهو الشاهد الثاني ] :
ألا لا أرى اثنين أكرمَ شيمةً *** على حدثانِ الدهر مني ومن جُمْلِ
وقال الراجز : [ وهو الشاهد الثالث ] .
يا نفسُ صبراً كلُّ حي لاق *** وكلُّ اثنين إلى افتراق
[ 6ء ] وهذا لا يكاد يعرف .
وأما قوله : { مالك يوم الدين } ( 4 ) فإنه يجر لأنه من صفة " الله " عز وجل .
وقوله : { لِلَّهِ } ( 2 ) جر باللام كما أنجر قوله : { رَبِّ الْعَالَمِينَ الرحمن الرَّحِيمِ } لأنه من صفة قوله { للَّهِ } . فان قيل : " وكيف يكون جرّا وقد قال : { إِيّاك نَعْبُدُ [ 5 ] } .
وأما فتح نون { الْعَالَمِينَ } ( 2 ) فإنها نون جماعة ، وكذلك كل نون جماعة [ زائدة ] على حدّ التثنية فهي مفتوحة . وهي النون الزائدة التي لا تغيّر الاسم عما كان عليه : نحو نون " مسلمين " و " صالحين " و " مؤمنين " فهذه النون زائدة لأنك تقول : " مسلم " و " صالح " فتذهب النون [ 6ب ] ، وكذلك " مؤمن " قد ذهبت النون الآخرة ، وهي المفتوحة ، وكذلك " بنون " . ألا ترى [ انك ] إنما زدت على " مؤمن " واوا ونونا ، وياء ونونا ، وهو على حاله لم يتغير لفظه ، كما لم يتغير في التثنية حين قلت " مؤمنان " و " مؤمنين " . إلا انك زدت ألفا ونونا ، أو ياء ونونا للتثنية . وإنما صارت هذه مفتوحة ليفرق بينهما وبين نون الاثنين . وذلك أن نون الاثنين مكسورة أبدا . قال : { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ } وقال { أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا } والنون مكسورة .
وجعلت الياء للنصب والجرّ نحو " العالمينَ " و " المتقينَ " ، فنصبهما وجرهما سواء ، كما جعلت نصب " الاثنينِ " وجرهما سواء ، ولكن كسر ما قبل ياء الجميع وفتح ما قبل ياء الاثنين ليفرق ما بين الاثنين والجميع ، وجعل الرفع بالواو ليكون علامة للرفع ، وجعل رفع الاثنين بالألف .
وهذه النون تسقط في الإضافة كما تسقط نون الاثنين ، نحو قولك : " بنوك " " ورأيت مسلميك " فليست هذه النون كنون " الشياطين " و " الدهاقين " و " المساكين " . لان " الشياطين " و " الدهاقين " و " المساكين " نونها من الأصل [ 7 ء ] ألا ترى انك تقول : [ شيطان ] و " شُييطين " و " دِهقان " " دُهَيْقين " و " مِسْكين " و " مُسَيْكين " فلا تسقط النون .
فأما " الذينَ " فنونها مفتوحة ، لأنك تقول : " الذي " فتسقط النون لأنها زائدة ، ولأنك تقول في رفعها : " اللذون " لان هذا اسم ليس بمتمكن مثل " الذي " . ألا ترى أن " الذي " على حال واحدة .
إلا أن ناسا من العرب يقولون : " هم اللذون يقولون كذا وكذا " . جعلوا له في الجمع علامة للرفع ، لان الجمع لا بد له من علامة ، واو في الرفع ، وياء في النصب والجرّ وهي ساكنة . فأذهبت الياء الساكنة التي كانت في " الذي " لأنه لا يجتمع ساكنان ، كذهاب ياء " الذي " إذا أدخلت الياء التي للنصب ، ولأنهما علامتان للإعراب . والياء في قول من قال " هم الذين " مثل حرف مفتوح أو مكسور بني عليه الاسم وليس فيه إعراب . ولكن يدلك على انه المفتوح أو المكسور في الرفع والنصب والجر الياء التي للنصب والجرّ لأنها علامة للإعراب .
وقد قال ناس من العرب " الشياطون " لأنهم شبّهوا هذه الياء التي كانت في " شياطين " إذا كانت بعدها نون ، وكانت في جميعٍ وقبلها كسرة ، بياء الإعراب التي في الجمع . فلما صاروا إلى الرفع ادخلوا الواو . وهذا يشبه " هذا جُحرُ ضبٍّ خَرِبٍ " [ 7ب ] فافهم .