بِسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ
{ بسم الله } إنما هو بالله لأن اسم الشيء هو الشيء بعينه ، قال لبيد :
إلَى الَحوْلِ ثُمَّ اسمُ السَّلامِ عليكما *** ومن يَبْكِ حَولاً كاملاً فقدِ اعتَذَرْ
{ إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } " 75/17 " : أي تأليفه ؛ { فإذَا قَرَأْنَاهُ } " 75/18 " أي إذا جمعناه ؛ ومجازه مجاز قول عَمْرو بن كُلْثوم :
هِجانِ اللَوْن لم تَقْرأ جَنينا ***
أي لم تضمَّ في رحمها ، ويقال للتي لم تلد : ما قرأَتْ سَلًى قطّ .
نزل القرآن بلسان عربي مُبين ، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أَعظم القول ، ومن زعم أن { طه } " 20 " بالنَّبطِيّة فقد أكبر ، وإن لم يعلم ما هو ، فهو افتتاح كلام وهو اسم للسورة وشعار لها . وقد يوافق اللفظُ اللفظَ ويقاربه ومعناهما واحد ، وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية أو غيرها . فمن ذلك الإسْتبْرَق بالعربية ، وهو الغليظ من الدِّيباج ، والفِرِند ، وهو بالفارسية إسْتَبْرَهْ ؛ وكَوْز وهو بالعربية جوز ؛ وأشباه هذا كثير . ومن زعم أن { حِجَارةً مِنْ سِجِّيلٍ } " 10/54 " بالفارسية فقد أعظم ، من قال : إنه سَنْك وكِلْ إنما السجيل الشديد .
والقرآن : اسم كتاب الله ، لا يسمَّى به غيرهُ من الكتب ، وذلك لأنه جَمَع وضمَّ السور ؛ ومجازه من قوله : { إنَّ علَينا جَمْعَه وقُرْآنَه } " 75/18 " ، أي تأليف بعضه إلى بعض ، { فإذا قَرَأْنَاهُ فاتَّبِعْ قُرْآنَه " ؛ وسُمِّى الفرقانَ لأنه يفرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر .
ففي القرآن ما في الكلام العربيّ من الغريب والمعاني ، ومن المحتمِل من مجاز ما اختُصِر ، ومجاز ما حُذف ، ومجاز ما كفَّ عن خبره ، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الواحد ووقع على الجميع ، ومجاز ما جاء لفظه لفظ الجميع ووقع معناه على الاثنين ، ومجاز ما جاء لفظه خبر الجميع على لفظ خبر الواحد ، ومجاز ما جاء الجميع في موضع الواحد إذا أُشرك بينه وبين آخر مفرد ، ومجاز ما خُبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك ، فجعل الخبر للواحد أو للجميع وكُفَّ عن خبر الآخر ، ومجاز ما خُبّر عن اثنين أو أكثر من ذلك ، فجعل الخبر للأول منهما ، ومجاز ما خُبّر عن اثنين أو عن أكثر من ذلك ، فجعل الخبر للأخر منهما ، ومجاز ما جاء من لفظ خبر الحيوان والمَوَات على لفظ خبر الناس ؛ والحيوانُ كل ما أكل من غير الناس وهي الدواب كلُّها ، ومجاز ما جاءت مخاطبتهُ مخاطبة الغائب ومعناه مخاطبة الشاهد ، ومجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد ، ثم تُركت وحوّلت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب ، ومجاز ما يزاد من حروف الزوائد ويقع مجازُ الكلام على إلقائهن ، ومجاز المضمر استغناءً عن إظهاره ، ومجاز المكرر للتوكيد ، ومجاز المجمل استغناءً عن كثرة التكرير ، ومجاز المقدَّم والمؤخَّر ، ومجاز ما يحوّل من خبره إلى خبر غيره بعد أن يكون من سببه ، فيجعل خبره للذي من سببه ويترك هو . وكل هذا جائز قد تكلموا به .
بِسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ
أُمُّ الكتاب
مجاز تفسير ما في سورة { الحمد } وهي { أم الكتاب } لأنه يبُدأ بكتابتها في المصاحف قبل سائر القرآن ، ويبدأ بقراءتها قبل كلّ سورة في الصلاة ؛ وإنما سُمِّيت سورةً لا تُهمز ، لأن مجازها من سُور البناء أي منزلة ثم منزلة ، ومَن همزها جعلها قطعةً من القرآن ، وسميت السورة لأنها مقطوعة من الأخرى ، فلما قرن بعضها إلى بعض سُمِّى قرآنا . قال النَّابغة :
ألم تر أَن الله أعطاك سورةً *** ترى كلَّ مَلْك دونَها يتَذبذبُ
أي منزلة ، وبعضُ العرب يهمز سورة ، ويذهب إلى { أسأرتُ " . نقول : هذه ليست من تلك .
فمجاز تفسير قوله { بسم الله } مضمر ، مجازه كأنك قلت : بسم الله قبل كل شيء وأول كل شيء ونحو ذلك ، قال عبد الله بن رَوَاحة :
بسم الإله وبه بَدِينا *** ولو عبَدْنا غيرَه شَقِينا
يقال : بدأتُ وبدَيت ، وبعضهم يقول : بدِينا لغة .
{ الرَّحْمَن } مجازه ذو الرحمة ، و{ الرَّحِيم } مجازه الراحم ، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد والمعنى واحد ، وذلك لاتّساع الكلام عندهم ، وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا : ندمان ونديم ، قال بُرْج بن مُسْهِر الطائيّ ، جاهلي :
ونَدْمانٍ يزيد الكأسَ طِيباً *** سَقيتُ وقد تغوَّرت النجومُ
وقال النُعْمان بن نَضْلَة ، عَدويُّ من عَدي قُريش :
فإن كنتَ نَدْماني فبالأكبر أسْقِني *** ولا تَسقِني بالأصغر المُتَثلْمِ
وقال بُرَيق الهذليّ عدَوَيّ من عَدي قريش :
رُزينا أبا زيدٍ ولا حيَّ مِثْلَه *** وكان أبو زيد أخي ونديميِ
وقال حَسّان بن ثابت :
لا أخدِشُ الخَدْش ولا *** يَخْشَى نَدِيمي إذا انتشيتُ يَدِي