تأويلات أهل السنة للماتريدي

الماتريدي القرن الرابع الهجري
Share Add Enterpreta

page 1

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ١

سورة الفاتحة

ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢

بسم الله الرحمان الرحيم وبه نستعين
الآية 2 قوله عز وجل : ( الحمد لله ) احتمل أن يكون – جل ثناؤه- حمد نفسه ليعلم الخلق[36] استحقاقه الحمد بذاته ، فيحمدوه .
فإن قيل : كيف يجوز أن يحمد نفسه ، ومثله في الخلق غير محمود ؟ قيل له : لوجهين .
أحدهما : أنه استحق الحمد بذاته لا بأحد ، فيكون[37] في ذلك تعريف الخلق لما يزلفهم لديه بما أثنى على نفسه ليثنوا عليه . وغيره إنما يكون ذلك له به عز وجل فعليه توجيه الحمد إليه لا إلى نفسه ؛ إذ نفسه لا تستوجبه بها بل بالله تعالى .
والثاني : أن الله تعالى حقيق لذلك ؛ إذ لا عيب يمسه ، ولا آفة تحل به فيدخل نقصان[38] في ذلك ، ولا هو مأمور[32] بشيء . والعبد لا يخلو عن عيوب تمسه وآفات تحل به ، ويمدح بالائتمار ، ويذم بتركه . وفي ذلك يكمن[33] النقصان ، وحق لمثله الفزع إلى الله تعالى والتضرع إليه ليتغمده برحمته ، ويتجاوز عن صنيعه .
وعلى ذلك معنى التكبر[34] ؛ نحمد به ربنا ، ولا نحمد غيره ؛ إذ ليس للعبد معنى يستقيم [ به ][35] تكبره ؛ إذ هم جميعا أكفاء من طريق [ المحنة والخِلقة ][36] وما أدرك أحد من فضيلة أو رفعة فبالله أدركه لا بنفسه فعليه تنزيه الرب والفزع إليه بالشكر لا بالتكبر على أمثاله ، والله تعالى ، عن هذا الوصف متعال .
ويحتمل أن يكون قوله تعالى : ( الحمد لله ) على إضمار الأمر ، أي قولوا : ( الحمد لله ) لأن الحمد يضاف إلى الله فلا بد من أن يكون له علينا ، فأمر بالحمد لذلك .
أحدهما : ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( الحمد لله ) أي الشكر لله [ بما صنع إلى خلقه ][37] فيخرج تأويل الآية على هذا الترتيب[38] على الأمر بتوجيه الشكر إليه . وذلك يتضمن الأمر أيضا بكل الممكن من الطاعة على ما روي عن النبي ( ص ) أنه صلى حتى تورمت قدمه ، فقيل له : أليس قد غفر [ الله ][32] ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : " أفلا أكون عبدا شكورا ؟ " [ البخاري 1130 ] . فصير أنواع الطاعات شكرا له . فمن أطاع الله تعالى فقد شكر له . فيخرج تأويل الآية على هذا .
والوجه الثاني : أن[33] يخرج مخرج الثناء على الله عز وجل والمدح له والوصف بما يستحقه والتنزيه عما لا يليق به من توجيه النعم إليه وقطع الشركة عنه في الإنعام والإفضال على عباده .
وعلى ذلك ما روي عن رسول الله ( ص ) أن الله عز وجل يقول : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " [ مسلم 395 ] فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله عز وجل " حمدني عبدي " فجعل الحمد هذا الحرف ، وصيره منه ثناء لوجهين :
أحدهما : أنه نسب الربوبية إليه في جميع العالم ، وقطعه عن غيره .
والثاني : أنه سمى[34] ذلك صلاة . والصلاة أتم للثناء والدعاء . وذلك خلاف الذم ونقيضه . وفي الوصف بالبراءة من الذم مدح وثناء بغاية المدح والثناء . ولذلك يفرق القول بين الشكر والحمد ؛ إذ أمرنا بالشكر للناس بما جاء عن رسول الله ( ص ) : " إن من لم يشكر الناس لم يشكر الله " [ أحمد 2/258 ] صيره بمعنى المجازاة ، والحمد بمعنى الوصف بما هو أهله . فلم يستحب الحمد إلا لله .
وقوله تعالى ( رب العالمين ) روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( [ ( رب العالمين ) أي ][35] سيد العالمين ) . والعالم كل من دب على وجه الأرض . وقد يتوجه الرب إلى الربوبية لا إلى السؤدد ؛ إذ يستقيم القول ب ( وهو رب كل شيء ) [ الأنعام : 164 ] من بني آدم وغيره ونحو[36] : ( رب السماوات والأرض ) [ الرعد : 16 و . . . ] [ من الربوبية ][37] و( رب العرش العظيم ) [ التوبة : 129 و . . . ] ونحوه ، وغير مستقيم لسيد السماوات ونحوه .
وقد يتوجه اسم الرب إلى المال ؛ إذ[38] كل من ينسب إليه الملك يسمى مالكه[32] ، ولا يسمى سيدا[33] إلا في بني آدم خاصة .
واسم الرب يجمع[34] ذلك كله . لذلك كان التوجيه إلى المالك أقرب ، وإن احتمل المروي عن ابن عباس رضي الله عنه إذ هو في الحقيقة سيد من ذكر وربهم . والله الموفق .
ثم اختلف أهل التفسير في ( العالمين ) فمنهم من رد إلى كل روح ، دبّ على وجه الأرض ، ومنهم من رد إلى [ كل ][35] ذي روح في الأرض وغيرها .
ومنهم من قال : لله كذا وكذا[36] عالم .
والتأويل عندنا ما أجمع [ عليه ][37] أهل الكلام : أن العالمين اسم لجميع الأنام والخلق جميعا . وقول أهل التفسير يرجع إلى مثله إلا أنهم ذكروا أسماء الأعلام ، وأهل الكلام ما يجمع ذلك وغيرهم .
ثم العالم اسم للجميع[38] ، وكذلك الخلق . ثم تعريف ذلك بالعالمين والخلائق يتوجه إلى جمع الجمع من غير أن يكون في التحقيق تفاوت . وقد يتوجه إلى عالم كل زمام وكذا خلق كل زمان على حكم تجدد العالم . وبالله التوفيق .
وفي ذلك أن الله عز وجل ادعى لنفسه [ أنه ][32] رب العالمين كلهم " من تقدم ومن تأخر ومن كان ، ويكون [ ولم يقدر ][33] أحد أن ينطق بالتكذيب [ أو ][34] يدعي من ذلك شيئا لنفسه . دل ذلك أن لا رب غيره ولا خالق لشيء سواه ؛ إذ لا يجوز أن يكون حكيما أو إلها ينشئ ويبدع / 2-أ/ ولا يدعيه ، ولا يفصل ما كان منه مما[35] كان لغيره ، وبنفسه قام ذلك لا بغيره . وعلى ذلك معنى قوله : ( وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ) [ المؤمنون : 91 ] فهذا مع ما [ في اتساق ][36] التدبير واجتماع التضاد وتعلق حوائج بعض ببعض وقيام منافع بعض ببعض على تباعد بعض من بعض وتضادها دليل واضح على أن مدبر[37] ذلك كله واحد وأنه لا يجوز كون مثل ذلك من غير مدبر عليم[38] . والله المستعان .

ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ٣

الآية 3 : وقوله تعالى : ( الرحمن الرحيم ) اسمان مأخوذان من الرحمة لكنه روي فيهما[39] : ( رقيقان : أحدهما أرق من الآخر ) وكان الذي روي عنه هذا أراد به لطيفان : أحدهما ألطف من الآخر ؛ دليل ذلك وجهان :
أحدهما : مجيء الأثر[40] في ذلك : اللطيف في أسماء الله تعالى [ مما ][41] نطق به الكتاب ، ولم يذكر في شيء من ذلك رقيق . ومعنى اللطيف في[42] استخراج الأمور الخفية وظهورها[43] له كقوله تعالى : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة ) [ إلى قوله ][44] ( لطيف خبير ) [ لقمان : 16 ] وبالله التوفيق .
والثاني : أن اللطيف حرف يدل على البر والعطف ، والرقة [ تدل ][45] على رقة الشيء التي هي نقيض الغلظ والكثافة كما يقال : فلان رقيق القلب . وإذا قيل فلان لطيف فإنما يراد به : بار عاطف . فلذلك يجوز لطيف ، ولا يجوز رقيق . وكذلك فسر من فسر الرحمن بالعاطف على خلقه بالرزق . وذهب وهم الأول إلى الرقة[46] ، وهو بعيد . وإنما هو من اللطف .
وقوله[47] : ( أحدهما أرق من الآخر ) بمعنى اللطيف يحتمل وجهين :
أحدهما : التحقيق بأن اللطف بأحد الحرفين أخص وأليق وأوفر وأكمل . فلذلك رحمته بالمؤمنين أنه يقال : رحيم بالمؤمنين على تخصيصهم بالهداية[48] لدينه . ولذا ذكر أمته ، وإن أشركهم في الرزق في ما يراهم غيرهم . ألا ترى أنه لا يقال : رحمن بالمؤمنين ، وجائز القول ، رحيم بهم ، وكذلك لا يقال : رحيم بالكافر[49] مطلقا ؟ وبالله التوفيق .
[ والثاني ][50] : أن أحدهما ألطف من الآخر كأنه وصف الغاية في اللطف حتى يتعذر وجه إدراك ما في كل واحد من اللطف ، أو يوصف بقطع الغاية عما يتضمنه كل حرف . وبالله التوفيق .
ثم في هذا أن اسم الرحمن ، هو المخصوص به [ الله ، لا يسمى به غيره ][51] والرحيم : يجوز تسمية غيره به . فلذلك يوصف : أن الرحمن[52] اسم ذاتي ، والرحيم فعلي . وإن احتمل أن يكونا مشتقين من الرحمة . ودليل ذلك إنكار العرب الرحمن ، ولا أحد منهم أنكر الرحيم حين قالوا : ما ندري : ( وما الرحمان أنسجد لما تأمرنا ) [ الفرقان : 60 ] وذلك قوله : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ الإسراء : 110 ] يدل على أنه ذاتي لا فعلي ، وإن كان الفعل صفة الذات ؛ إذ محال صفته بغيره ولما يوجب ذلك الحاجة إلى غيره ليحدث له الثناء والمدح ، وفي ذلك خلق الخلق لنفع الاستمداح ، وعن ذلك متعال ، بل بنفسه مستحق لكل حمد ومدح ، ولا قوة إلا بالله .
وروي في خبر القسمة أن العبد إذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال الله تعالى : " أثنى علي عبدي " وإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال : " مجدني عبدي " [ مسلم 395/ 40 ] . وذكر أنه قال في الأول : بالتمجيد ، وفي الثاني : بالثناء وذلك واحد ، لأن معنى الثناء الوصف بالمجد والكرم والجود ، والتمجيد هو الوصف بذلك . وبالله التوفيق .

مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ٤

الآية 4 : [ وقوله تعالى : ( مالك يوم الدين ) ][53]أجمع [ على ][54] أن قوله : ( مالك يوم الدين ) أنه يوم الحساب والجزاء . وعلى ذلك القول ( أإنا لمدينون ) [ الصافات : 53 ] وقوله تعالى : ( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ) [ النور : 25 ] وهو الجزاء . ومن ذلك [ قول ][55] الناس : ( كما تدين تدان ) .
وجائز أن يكون : ( مالك يوم الدين ) على جعل ذلك اليوم لما يدان اليوم ؛ إذ يظهر حقيقته وعظم مرتبته وجليل موقعه عند ربه .
وفي الآية دلالة وصف الرب بملك ما ليس بموجود لوقت الوصف بملكه ، وهو يوم القيامة . ثبت أن الله تعالى بجميع ما يستحق الوصف به يستحقه[56] بنفسه لا بغيره . ولذلك قلنا نحن : هو خالق لم يزل ، وجواد لم يزل ، وسميع لم يزل ، وإن كان ما عليه[57] وقع ذلك لم يكن . وكذلك نقول : هو رب كل شيء ، وإله كل شيء في الأزل ، وإن كانت الأشياء غير حادثة كما قال ( مالك يوم الدين ) اليوم[58] ، وإن كان اليوم بعد غير حادث ، وبالله التوفيق .

إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ٥

الآية 5 : قوله تعالى : ( إياك نعبد ) فهو ، والله أعلم ، على إضمار الأمر ؛ أي قل : [ ذا ][117] . ثم لم يجعل له أن يستثني في القول به ، بل ألزمه القول بالقول فيه . ثم يتوجه وجهين :
أحدهما : يحال القول به على الخبر عن حاله ، فيجب ألا يستثنى[118] في التوحيد . وإن من يستثني فيه عن شك يستثني ، والله تعالى وصف المؤمنين بقوله : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ) الآية[119] [ الحجرات : 15 ] وكذا[120] سئل رسول الله ( ص ) عن أفضل الأعمال ، فقال : " إيمان لا شك فيه " [ أحمد 2/258 ] .
والثاني : عن الأحوال التي ترد[121] في ذلك ، لكنه إذا كان ذلك اعتقاد المذهب لم يجز الشك فيه ، إذ المذاهب لا تعتقد لأوقات[122] ، إنما تعتقد للأبد . لذلك لم تجز الثنيا[123] فيه . وبالله التوفيق .
ثم قوله تعالى : ( إياك نعبد ) يتوجه وجهين[124] :
أحدهما : إلى التوحيد . وكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنه[125] أنه قال : ( كل عبادة في القرآن فهو توحيد ) .
والوجه الآخر : أن يكون على كل طاقة : أن يعبد الله بها . وأصلها يرجع إلى واحد لما على العبد أن يوحد الله في كل عبادة ، لا يشرك فيها أحدا . بل يخلصها . فيكون موحد الله تعالى بالعبادة والدين جميعا .
وعلى ذلك قطع الطمع والخوف والحوائج كلها عن الخلق ، وتوجيه ذلك إلى الله تعالى بقوله : ( أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) [ فاطر : 15 ] .
وعلى ذلك المؤمن لا يطمع في الحقيقة بأحد غير الله ، ولا [ يرفع إلا ][126] إليه الحوائج ، ولا يخاف إلا من الوجه الذي يخشى أن الله جعله سببا لوصول بلاء من بلاياه على يديه . فعلى ذلك يخافه ، أو يرجو أن يكون الله تعالى جعل سبب ما دفعه إليه على يديه . فبذلك يرجو ، ويطمع ، فيكون بذلك[127] من الضالين ، فيكون في ذلك التعوذ من جميع أنواع الذنوب ، والاستهداء إلى كل أنواع البر .
[ القول في التسمية ][128]
ثم التسمية هي آية من القرآن ، وليس [ من ][129] فاتحة القرآن . دليل جعلها آية [ ما ][72] روي عن النبي ( ص ) أنه قال لأبي بن كعب رضي الله عنه : " لأعلمنك آية لم تنزل على أحد قبلي إلا على سليمان بن داود[73] ، ، فأخرج [ من المسجد ][74] إحدى قدميه ، ثم قال : بأي [ آية تفتتح بها القرآن ][75] ؟ قال : ( بسم الله الرحمان الرحيم ) فقال : هي هي " [ بنحوه : البخاري 4474 ] .
ففي هذا [ دليل ][76] أنها آية من القرآن ، وأنها لو كانت من السور لكان يعلمه نيفا ومائة آية لا آية واحدة . ولو كانت منها أيضا لكان لا يجعلها مفتاح القرآن ، بل يجعلها من السور .
ثم الظاهر أن من لم يتكلف تفسيرها عند ابتداء [ السور يثبت ][77] أنها ليست منها . ولذلك[78] ترك الأمة الجهر بها على العلم بأنه لا يجوز أن يكون رسول الله ( ص ) يجهر بها ، ثم يخفى ذلك على من معه ، وأن يكونوا غفلوا[79] ، ثم يضيعون سنة بلا نفع يحصل لهم ، حتى توارثت الأمة تركها في ما لا يحتمل أن يكون الجهر سنة ، ثم يخفى ، فيكون في فعل الناس دليل واضح أنها ليست من السور .
ودليل آخر على ذلك ما روي عن رسول الله ( ص ) عن الله تعالى أنه قال : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ؛ فإذا قال العبد[80] : ( الحمد لله رب العالمين ) ( الرحمان الرحيم ) ( مالك يوم الدين )[81] [ الفاتحة : 1و2و3 ] [ قال الله ][82] : " هذا لي " [ مسلم 395/40 ] وهي ثلاث آيات ، وقال بعد قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) ( صراط الذين أنعمت عليهم ) ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ][83] [ الفاتحة 5 و6 و7 ] [ قال الله ][84] : " هذا لعبدي " ثبت أنها ثلاث آيات لتستوي القسمة . ثم قال في قوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 4 ] " هذا بيني وبين عبدي نصفين " [ مسلم 395/40 ] فثبت أنها آية واحدة . فصارت بغير التسمية سبعا . وذلك قول الجميع : إنها سبع آيات مع ما لم يذكر في خبر القسمة . فثبت أنها دونها سبع آيات .
وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه [ قال ][85] : صليت خلف رسول الله ( ص ) وخلف أبي بكر [ الصديق ][86] وعمر وعثمان رضوان الله عليهم فلم يكونوا يجهرون ب ( بسم الله الرحمان الرحيم ) وروي ذلك عن علي [ بن أبي طالب ][87] رضوان الله عليهم وعبد الله بن عمر وجماعة [ من الصحابة – رضوان الله عليهم- ][88] وهو الأمر المعروف في الأمة مع ما جاء في قصة السحر أن العقد كانت إحدى عشرة ، وقرأ عليها المعوذتين دون التسمية . فكذا خبرها من السور مع ما إذا[89] جعلت مفتاحا كانت كالتعوذ . والله الموفق .
والأصل عندنا أن المعنى الذي تضمنته فاتحة القرآن فرض على جميع البشر ؛ إذ فيه الحمد [ لله ][90] والوصف له بالمجد والتوحيد له ، والاستعانة به ، وطلب الهداية ، وذلك/2-ب/ كله يلزم كافة العقلاء من البشر ؛ إذ فيه معرفة الصانع على ما هو معروف ، والحمد على ما هو معروف ، والحمد له على ما يستحقه . إذ هو المبتدئ بنعمه على جميع خلقه ، وإليه فقر كل عبد ، وحاجة كل محتاج . فصارت لنفسها بما جمعت الخصال التي بينا فريضة على عباد الله .
ثم[91] ليست هي في حق الصلاة فريضة ، وذلك نحو التسبيحات بما فيها من تنزيه الله ، والتكبيرات بما فيها من تعظيمه فريضة لنفسها ؛ إذ ليس لأحد ألا ينزه ربه ، ولا يعظمه من غير أن يوجب ذلك فريضتها .
ثم ليست هي [ بفريضة في حق ][92] القراءة [ في الصلاة لوجوه :
أحدها : أن فريضة[93] القراءة ][94] عرفناها [95] بقوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] وفيها الدلالة من وجهين :
أحدهما : أنه قد يكون غيرها أيسر
والثاني : [ أن فريضة ][96] القراءة من حيث الامتنان بالتخفيف علينا والتيسير ، ولو لم تكن فريضة لم يكن علينا في التخفيف منة [ إذ لنا الترك ، ثم لا تخير ][97] في فاتحة القرآن ، والآية التي بها عرفنا [ الفريضة ، فيها ][98] تخير ما يختار من الأيسر . ثبت أنها رجعت إلى غيرها . وبالله التوفيق .
والثاني : أن نبي الله أخبر عن الله تعالى أنه جعلها[99] في حق الثناء ، وهو ما ذكر في خبر القسمة ، فصارت تقرأ بذلك الحق ، فلم يخلص لها حق القراءة ، بل الحق بها حق الدعاء والثناء ، وليس ذلك من فرائض الصلاة ، وبالله التوفيق .
والثالث : ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ( ص ) أحيى ليلة بقوله : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) [ الآية ][100] [ المائدة : 118 ] به كان يقوم ، وبه كان يركع ، وبه يسجد ، وبه يقعد . فثبت أنه لا تتعين قراءتها في الصلاة مع ما أيده الخبر الذي فيه : " أن ارجع فصل فإنك لم تصل " [ البخاري 757 ] إذ[101] قال له وقت التعليم : " اقرأ ما تيسر عليك " [ البخاري : 756 ] فثبت أن المفروض ذلك .
وأيضا روي عن رسول الله ( ص ) أنه قال : " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " [ البخاري 756 ] ثم روي عنه بيان محلها : " إن كل صلاة لم تقرأ فيها[102] بفاتحة الكتاب فهي خداج ؛ نقصان غير تمام " [ مسلم 395/38 ] والفاسد لا يوصف بالنقصان ، وإنما الموصوف بمثله ما جاز مع النقصان . وبالله التوفيق .
ثم خص فاتحة الكتاب بالتأمين بما سمي بالذي ذكره خبر القسمة وغير الفاتحة ، وإن كان فيه الدعاء فإنه لم يخص بهذا الاسم . لذلك لم يجهر به . فالسبيل فيه ما ذكرنا في التسمية مع ما كان هو أخلص بمعنى الدعاء منها .
ثم السنة في جميع الدعوات المخافتة . والأصل أن كل ذكر يشترك فيه الإمام والقوم فسنته المخافتة لحاجة الإعلام . وهذا يعم[103] قوله : ( ولا الضالين ) فيزول معناه . وسبيل[104] مثله المخافتة مع ما جاء به مرفوعا ومتواترا[105] . وخبر الجهر يحتمل السبق كما كان يسمعهم في صلاة النهار أحيانا ، ويحتمل الإعلام أنه كان يقرأ به ، وبالله التوفيق .
ثم جمعت هذه خصالا من الخير . ثم كل خصلة منها تجمع[106] جميع خصال الخير .
منها أن في الحرف الأول من قوله تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ) شكرا لجميع النعم ، وتوجيها[107] لها إلى الله ، لا شريك له ، ومدحا له بأعلى ما يحتمل [ المدح ][108] وهو ما ذكرنا من عموم نعمه وآلائه جميع[109] بريته .
ثم فيه الإقرار بوحدانيته في إنشاء البرية كلها ، وتحقيق الربوبية له عليها بقوله تعالى ( رب العالمين ) وكل واحد منها مما[110] يجمع خصال خير الدارين ، ويوجب للقائل[111] به عن صدق القلب درك الدارين .
ثم الوصف لله عز وجل بالاسمين يتعالى عن أن يكون لأحد معناهما حقيقة ، أو يجوز أن يكون منه الاستحقاق[112] نحو الله والرحمن .
ثم الوصف له[113] بالرحمة التي بها[114] نجاة كل ناج ، وسعادة كل سعيد ، وبها يتقي المهالك كلها مع ما من رحمته خلق الرحمة التي بها تعاطف بينهم ، وتراحمهم .
ثم الإيمان بالقيامة بقوله تعالى : ( مالك يوم الدين ) مع الوصف [ له ][115] بالمجد وحسن الثناء عليه .
ثم التوحيد [ وما ][116] يلزم العباد من إخلاص العبادة له والصدق فيها مع[117] جعل كل رفعة وشرف منالا به عز وجل .
ثم رفع جميع الحوائج إليه والاستعانة به على قضائها والظفر بها على طمأنينة القلب وسكونه ؛ إذ لا خيبة عند معونته ، ولا زيغ عند عصمته .
ثم الاستهداء إلى ما يرضيه ، والعصمة عما يغويه في حادث الوقت على العلم بأنه لا ضلال لأحد مع هدايته ، في التحقيق الرجاء والخوف من الله لا من غيره . وعلى ذلك جميع معاملات العباد ومكاسبهم على الرجاء من الله تعالى أن يكون جعل ذلك سببا ، به يصل إلى مقصوده ، ويظفر بمراده ، ولا قوة إلا بالله[118] .
وقوله تعالى : ( وإياك نستعين ) فذلك طلب المعونة من الله تعالى على [ قضاء جميع حوائجه ][119] دينا ودنيا . ويحتمل أن يكون هو على أثر الفزع إلى الله تعالى بقوله : ( إياك نعبد ) على طلب التوفيق لما أمر به والعصمة عما حذره عنه . وكذلك الأمر البين في الخلق من طلب التوفيق والمعونة من الله تعالى والعصمة عن المنهي عنه ، جرت به سنة الأخيار ، والله الموفق .
ثم لا يصلح هذا على قول المعتزلة لأن تلك المعونة على أداء ما كلف [ المرء ][120] قد أعطي ؛ إذ على قولهم : لا يجوز أن يكون مكلفا ، وقد بقي شيء مما به أداء [ ما كلف ][121] عند الله ، وطلب ما أعطي ، وكتمان[122] العطية كفران ، فيصير كأن الله تعالى آمر أن يكفر [ المرء ][123] نعمه ، ويكتمها ، ويطلبها منه تعنتا . وظن مثله بالله عز وجل كفر .
ثم لا يخلو من أن يكون عند الله ما يطلب ، فلم يعطه التمام إذن ، أو ليس عنده ، فيكون طلبه استهزاء به ؛ إذ من طلب إلى آخر ما يعلم أنه ليس عنده ، فهو هازئ به في العرف ، مع ما كان الذي يطلب : إما أن يكون لله ألا يعطيه مع التكليف ، فيبطل قولهم : إذ لا يجوز أن يكلف ، وعنده ما به الصلاح في الدين ، فلا يعطي ، أو ليس له أن يعطي ؛ فكأنه قال : اللهم لا تجُرْْ [124] . ومن هذا علمه بربه فالإسلام أولى به .
وهذا مع ما كان لا يدعو الله أحد بالمعونة إلا ويطمئن قلبه أنه لا يذل عند المعونة ، ولا يزيغ[125] عند العصمة . وليس مثله يملك الله[126] عند المعتزلة ، ولا قوة إلا بالله .
وقد روي عن النبي ( ص ) أنه قال في خبر القسمة : " الله تعالى يقول : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " [ مسلم395/40 ] وذلك يحتمل أن يكون كل حرف من ذلك بما فيها[127] جميعا : الفزع إلى الله تعالى بالعبادة والاستعانة ورفع[128] الحاجة إليه وإظهار غناه-جل وعلا- عنه . فيتضمن ذلك الثناء عليه وطلب الحاجة إليه .
ويحتمل أن يكون الحرف الأول : لله بما فيه عبادته وتوحيده . والثاني : للعبد بما فيه طلب معونته وقضاء حاجته . ويؤيد ذلك بقية السورة إنه أخرج على الدعاء .
وقال[129] الله عز وجل : " هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل " [ مسلم 395/40 ]

ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ٦

الآية 6 : وقوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال ابن عباس رضي الله عنه : ل( [ ( اهدنا ) ][130] أرشدنا ، والإرشاد والهداية واحد . بل الهداية في حق التوفيق أقرب إلى فهم الخلق من الإرشاد بما هي أعم في تعارفهم ) .
ثم القول بالهداية يخرج على وجوه ثلاثة :
أحدها : البيان . ومعلوم أن البيان قد تقدم من الله عز وجل لا أحد يريد به ذلك لمعنى ما به البيان من كتاب وسنة . وإلى ذلك تذهب المعتزلة .
والثاني : التوفيق والعصمة عن زيغه . وذلك معنى قولهم : اللهم اهدنا في من هديت . وقوله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم ) ( صراط الذين أنعمت عليهم ) [ الفاتحة : 5 و 6 ] وصفهم إلى آخر السورة . ولو كان على البيان على ما قالت المعتزلة فهو و( غير المغضوب عليهم ) في ذلك سواء . ثبت أنه على ما قلنا دون ما ذهبوا إليه . والله أعلم .
والثالث : أن يكون على طلب خلق الهداية لنا ؛ إذ نسب إليه من جهة الفعل ، وكل ما يفعله خلق ؛ كأنه قال : اخلق لنا هدايتنا ، وهو الاهتداء منا[131] . وبالله التوفيق .
ثم تأويل طلب الهداية ممن قد هداه الله تعالى يتوجه وجهين :
أحدهما : طلب الثبات على ما هداه الله تعالى . وعلى هذا معنى زيادات[132] الإيمان ، وأنها بمعنى الثبات عليه . وذلك كرجلين ينظران إلى شيء ، فيرفع أحدهما بصره عنه ، جائز القول بازدياد نظر الآخر .
[ والثاني : أنه ][133] في كل حال يخاف على المرء فقد الهدى ، فيهديه مكانه ابتداء . فيكون له حكم [ الابتداء ؛ إذ ][134] في كل وقت إيمان منه دفع به ضده . وعلى ذلك قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله ) [ النساء : 136 ] ونحو ذلك من الآيات . وقد يحتمل أيضا / 3-أ/ معنى الزيادة هذا النوع . وبالله التوفيق .
وأما ( الصراط ) فهو الطريق والسبيل في جميع التأويل ، وهو قوله تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما ) [ الأنعام : 153 ] وقوله تعالى : ( قل هذه سبيلي ) [ يوسف : 108 ]
ثم اختلفوا في ما يراد به ؛ فقال بعضهم : هو القرآن ، وقال بعضهم : هو الإيمان والإسلام ، وأيهما كان فهو القائم الذي لا عوج له ، والقيم الذي لا اختلاف فيه ؛ من لزمه وصل إلى ما ذكر . وبالله التوفيق .
وقوله تعالى : ( المستقيم ) قيل : هو القائم بمعنى الثابت بالبراهين والأدلة ، لا يزيله شيء ، ولا ينقض حججه كيد الكائدين ولا حيل المريبين . وقيل : ( المستقيم ) الذي يستقيم بمن تمسك به حتى ينجيه [ ويدخله الجنة ][135] .
[ وقيل : ( المستقيم ) بمعنى يستقام به كقوله ][136] ( والنهار مبصرا ) [ يونس : 67 ] أي يبصر به ؛ يدل عليه قوله : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) الآية[137] فالمستقيم هو المتبع له . وبالله التوفيق .
ثم ذكر من ذكر من المنعم[138] عليهم ، ولله عز وجل على كل مؤمن نعم بالهداية . وما ذكر دليل على أن الصراط هو الدين لأنه أنعم به على جميع المؤمنين .

صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ٧

الآية 7 : [ وهو قوله تعالى : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) ][139]
لكن تأويل من يرد إلى الخصوص يتوجه وجهين :
أحدهما : أنه أنعم عليهم بمعرفة الكتب والبراهين ، فيكون على التأويل الثاني من القرآن والأدلة .
والثاني : أن يكون لهم خصوص في الدين ، قدموا [ به ][140] على جميع المؤمنين كقول داوود وسليمان : ( الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) [ النمل : 15 ] وعلى هذا الوجه يكون ( اهدنا ) .
ووجه آخر ، وهو الخصوص الذي خص به كثيرا من المؤمنين من بين غيرهم . لكن الثنيا تدل على صرف الإرادة إلى جملة المؤمنين إذا انصرف إلى( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
وقوله تعالى : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) على قول المعتزلة : ليس لله على أحد من المؤمنين نعمة ليست على ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) إذ لا نعمة من الله عز وجل على أحد إلا الأصلح في الدين والبيان للسبيل المرضي ، وتلك قد كانت على جميع الكفرة . فيبطل على قولهم الثنيا ، والله الموفق .
الآية 7 : [ وقوله تعالى ][139] ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ اختلف فيه ][140] :
من قال : هو واحد ؛ إذ كل [ ضال ][3]قد استحق الغضب عليه ، وكل مغضوب عليه استحق الوصف الضلال . ومنهم من قال ( المغضوب عليهم ) هم اليهود ، وإنما خصوا بهذا بما كان منهم من فضل تمرد وعتو ، لم يكن ذلك من النصارى : نحو إنكارهم عيسى عليه السلام وقصدهم قتله مما لم يكن ذلك من النصارى ثم قولهم في الله : ( يد الله مغلولة ) الآية [ المائدة : 64 ] وقولهم ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ) الآية [ آل عمران : 181 ] وقول الله تعالى فيهم ][4] ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود ) الآية [ المائدة : 82 ] وكفرهم برسول الله ( ص ) بعد استفتاحهم وشدة تعنتهم وظهور النفاق . فاستحقوا بذلك اسم الغضب عليهم ، وإن كانوا شركاء غيرهم في اسم الضلال . وبالله التوفيق .
وفي هذا وجه آخر [ وهو ][5] أن تحمل الذنوب على وجهين :
أحدهما[6] : ما يوجب الغضب ، وهو الكفر .
والثاني[7] : ما يوجب اسم الضلال ، وهو ما دونه كقول موسى ( فعلتها إذا وأنا من الضالين ) [ الشعراء : 20 ] .
ورؤية الهداية لأهلها[8] والتعوذ به من كل ضلال ومن جميع ما يوجب مقته وغضبه ، وبالله النجاة والخلاص ، مع ما في خبر القسمة وعد جليل من رب العالمين في إجابة العبد مما يرفع إليه من الحوائج إذ قال : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " [ مسلم 395/40 ] ثم صير آخر السورة لعبده .
وليس في صلاته[9] سوى إظهار الفقر ورفع الحاجة وطلب المعونة والاستهداء إلى ما ذكر من[10] التعوذ عما وصف . وليس ذلك مما يوصف به العبد أنه له . فثبت أن له في ذلك إجابة ربه في ما أمره به ، ووعد ذلك ، وهو لا يخلف وعده .
فأنّى لا يحتمل ذلك بعد[11] أمره العبد بالذي تضمنه أول السورة ، فقام به العبد مع لؤمه وجفائه ، والله بكرمه وجوده لا ينجز له ما وعد ؟ لا يكون هذا البتة . وقد قال ( ادعوني أستجب لكم ) [ غافر : 60 ] وغير ذلك مما فيه الإنجاز وأنه لا يخلف الميعاد .
ثم [ قد جعلت ][12] بما جاء من الحديث [ في تلاوتها ][13] أن [ الله تعالى قدمها ][14] على التوراة والإنجيل [ في الثواب ][15] [ وعدلها بثلثي ][16] القرآن ، وجعلها[17] شفاء من أنواع الأدواء للدين والنفس والدنيا ، وجعلها[18] معاذا من كل ضلال وملجأ إلى كل نعمة ، وبالله نستعين ، مع ما أوضح في الأسماء التي لقب بها فاتحة القرآن عظيم [ موقعها وجليل قدرها ][19] وهو أن سماها[20] فاتحة القرآن بما [ بها يفتتح ][21] القرآن ، وكذلك روي عن رسول الله ( ص ) أنه كان يفتتح القراءة بها[22] . وسماها[23] فاتحة الكتاب لما بها تفتتح كتابة المصاحف والقرآن وسماها[24] أم القرآن لما [ تؤم غيرها ][25] في القراءة .
وقيل : الأم بمعنى الأصل ، وهو ألا يحتمل شيء مما فيه النسخ ولا الرفع ، فصار أصلا .
وسماها[26] المثاني لما تثنى في الركعات ، ولا قوة إلا بالله .
وفي قوله : ( اهدنا ) إلى آخره وجهان سوى ما ذكرنا ؛ إذ قوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) دعاء كاف عما تضمن إلى آخر السورة ؛ إذ ليس فيها غير تفسير هذه الجملة :
أحدهما : تذكير نعم الله على الذين يقبلون دينه في قلوبهم ، والتوفيق [ لهم بذلك ][27] وإفضاله عليهم بما ليس لهم عليه .
والثاني : تعوذهم عن كل زيغ ومقت وضلال وذنب والتجاؤهم إليه في ذلك بقوله : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )